{الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} امتنعوا عن الدخول في الإِسلام وسلوك طريقه، أو منعوا الناس عنه كالمطعمين يوم بدر، أو شياطين قريش أو المصريين من أهل الكتاب. أو عام في جميع من كفر وصد. {أَضَلَّ أعمالهم} جعل مكارمهم كصلة الرحم وفك الأسارى وحفظ الجوار ضالة أي ضائعة محيطة بالكفر، أو مغلوبة مغمورة فيه كما يضل الماء في اللبن، أو ضلال حيث لم يقصدوا به وجه الله، أو أبطل ما عملوه من الكيد لرسوله والصد عن سبيله بنصر رسوله وإظهار دينه على الدين كله.{والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} يعم المهاجرين والأنصار والذين آمنوا من أهل الكتاب وغيرهم. {وَءَامَنُواْ بِمَا نُزّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} تخصيص للمنزل عليه مما يجب الإيمان به تعظيماً له وإشعاراً بأن الإيمان لا يتم دونه، وأنه الأصل فيه ولذلك أكده بقوله: {وَهُوَ الحق مِن رَّبّهِمْ} اعتراضاً على طريقة الحصر. وقيل حقيقته بكونه ناسخاً لا ينسخ، وقرئ: {نَزَّلَ} على البناء للفاعل و{أنزل} على البناءين و{نَزَلَ} بالتخفيف. {كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} سترها بالإِيمان وعملهم الصالح. {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد.{ذلك} إشارة إلى ما مر من الإِضلال والتكفير والإِصلاح وهو مبتدأ خبره. {بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل وَأَنَّ الذين ءامَنُواْ اتبعوا الحق مِن رَّبِِّهِمْ} بسبب اتباع هؤلاء الباطل واتباع هؤلاء الحق، وهذا تصريح بما أشعر به ما قبلها ولذلك سمي تفسيراً. {كذلك} مثل ذلك الضرب. {يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ} يبين لهم. {أمثالهم} أحوال الفريقين أو أحوال الناس، أو يضرب أمثالهم بأن جعل اتباع الباطل مثلاً لعمل الكفار والإِضلال مثلاً لخيبتهم واتباع الحق مثلاً للمؤمنين، وتكفير السيئات مثلاً لفوزهم.{فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ} في المحاربة. {فَضَرْبَ الرقاب} أصله فاضربوا الرقاب ضرباً فحذف الفعل وقدم المصدر، وأنيب منابه مضافاً إلى المفعول ضماً إلى التأكيد والاختصار. والتعبير به عن القتل إشعاراً بأنه ينبغي أن يكون بضرب الرقاب حيث أمكن، وتصوير له بأشنع صورة. {حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ} أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الثخين وهو الغليظ. {فَشُدُّواْ الوثاق} فأسروهم واحفظوهم، والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به. {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} أي فإما تمنون منا أو تفدون فداء، والمراد التخيير بعد الأسر بين المن والإِطلاق وبين أخذ الفداء، وهو ثابت عندنا فإن الذكر الحر المكلف إذا أسر تخير الإِمام بين القتل والمن والفداء، والاسترقاق منسوخ عند الحنفية أو مخصوص بحرب بدر فإنهم قالوا يتعين القتل أو الاسترقاق. وقرئ: {فدا} كعصا.{حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع، أي تنقضي الحرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم. وقيل آثامها والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم، وهو غاية للضرب أو الشد أو للمن والفداء أو للمجموع بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيهم حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم. وقيل بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام {ذلك} أي الأمر ذلك، أو افعلوا بهم ذلك. {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ} لا نتقم منهم بالاستئصال. {ولكن لّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} ولكن أمركم بالقتال ليبلوا المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب العظيم والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر. {والذين قَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ الله} أي جاهدوا، وقرأ البصريان وحفص {قَتِلُواْ} أي استشهدوا. {فَلَن يُضِلَّ أعمالهم} فلن يضيعها، وقرئ: {يُضِلَّ} من ضل ويضل على البناء للمفعول.